الجمعة، 6 فبراير 2015

اغتراب مؤقت !!

                                                                                       





في الثالث من شهر ( آب ) حزمت حقائب سفري ، حيث وقعْتُ على التصريح الحادي عشر من مغامرات السفر ، وجدت نفسي بين متاهات ( مدينة بورنموث Bournemouth ) /  ( مدينة شاطئ الفم ) في جنوب غربي بريطانيا، و الذي حاز على جائزة أفضل شاطئ على مستوى العالم ...



                                    شاطئ بورنموث في أقل زحامه غير المعهود


 هناك بين ذاكرة ممشى الريف المتمدن على ما يبدو بينهم، إلا أن في نظري فهي في قائمة زحام المدن الراقية عندما لا أتعايش بمثلها في خارطة بلاد العرب حديثا ، تلك المدينة التي تستقطب في صيفها كما هائلا من العرب للدراسة، لتجد نفسك بينهم إما شخصا مرموقا ، أو عنصرا ممقوتا ، حينما تجد أن ثقافة العرب والإسلام رصعت بصورة عمياء وهي الأغلب أو بصورة مثلى وهي الأقلية ، وجدت نفسي في بورنموث الهادئة الصاخبة بين من يرحب بك كمسلم مثالي في العالم أو كمسلم إرهابي يجب الحذر منه أو حتى التخلص منه ، فلا عجب حينما رأيت بأم عيني أن مسلما جاء من الخليج بصورة خاصة ، فيشوه رغبته في طلب العلم بصورة عامة، ويحتقر مقعده في معهده أو جامعته بفخر وجلالية غريبة .. !!



                          إحدى قاعات النقاشات بمقر دراستي طالما اعتدت دخولها مرارا للنقاش


 مؤلم حينما أستاذتي ( Amma ) قالت لي : " الخليجي يأتي للدراسة متفاخرا بماله ، وأكثر تفاخرا بغيابه عن المحاضرات، لا أعلم عن أي دين أنتم فيه لتأتوا بالقيم الخرافية وكأنها أساطير؛ لأنها شعارات خريط لا تطبق لديكم" !!
أردفت الرد عليها بالصمت وانتكاسة وجه خجل؛ فما تقوله صحيح .......... ولكن !!
أكملت ( Amma) حديثها بابتسامة : " إلا أن العماني منفرد بطبعه ، فكل العمانيين الذين صادفتهم هنا مختلفين تماما عن بقية العرب، فهم قادمون برغبة شديدة ويرجعون لبلادهم بشهادة جديرة "
طالعتها بعجب وتعجب اختلطتها ابتسامة ترجي وقلت : " الحمد لله " ...
وإن كنت لا أعلم هل ما أردفته من حديث أخير يستحق الصواب ولو بنسبة 80% ؟! 


                                 

                
                                         إحدى أنظمة نقل الحافلات بالمدينة


كنت أخرج من المنزل قبل بدء المحاضرة بساعة تماما، أحتاج إلى عشرين دقيقة مشيا للوصول إلى محطة الباصات، أو ما يسمى ( Yellow Bus 3 ) فقد كان محددا، ذاك الذي يوصلني إلى معهد / كلية ( انجلو كونتيننتال ) ، فالانتظار له وقته هناك، وفي كل صباح ضبابي أو ممطر أجد نفسي ربما الوحيدة التي تتقلد مظلتها تجنبا للمطر، وأما من حولي من المنتظرين فالأمر عادي جدا بالنسبة لهم؛ فقد اعتادوا ، وأنا عربية صحراوية لم أعتد ،،
 تلك المحجبة التي يناظرها الكل بعجب وخوف ومقت، وما علي إلا أن أولي شطر وجهي نحو زاوية تشعرني بالأمان، إلى أن يصل الباص المنتظر وأتقلد الحافلة بل كوكب المريخ كما أسميتها حتى أمتطي مقعدا آمنا ، وأحسب بالدقائق لحظة وصولي للمحاضرة مهرولة، عائدة بذكرياتي يوم أن كنت طالبة تكره التأخر هروبا من أي موقف محرج يومها .......

وإن كنت أذكر مرة وأنا لا زلت في دراستي ببورنموث أنني وصلت متأخرة ، وكان التأخر بسبب قلة الباصات في صبيحة إحدى الأيام يومها، إلا أنه لا مهرب من تعليقات الزملاء لحظة دخولي القاعة وأستاذتي ( Amma ) متعجبة من عدم اعتيادي للتأخر، إلا أنني بدون النظر لتعليقاتهم الصاخبة ومن تحدث فيهم ، رددت : " الخلل في خدمة الباصات يا أنتم "
، وفتحت كتبي وتابعت درس الإنجليزية مدعية لحضرة عقلي التائه الفهم  ..





                                                     
                                                    إحدى باحات انجلو كونتيننتال الدراسي


( زوين ) !!
هو الاسم الذي اعتدت سماعه من أساتذتي في انجلو ، مع الأيام ألفته طالما بين مسميات التصغير في عربيتي له مكانه ، فقد كانوا يجدون صعوبة في نطقه ، ونحن نألف أسمائهم ، فكثرتها في الروايات والإعلام تلعب دورها ...

حقيقة كنت أركز كثيرا على طرائق تدريسهم بحكم أنني أعمل بنفس مكانهم في بلدي، صفحة في سجل المحاضرات لكتابة الدرس، وهوامش مهمة بالنسبة لي لاصطياد وتدوين طرق تدريسهم ، فقد كانت بحق ممتعة لأبعد الحدود ، باختصار ( احترمت إخلاصهم بعدد شعراتهم البيضاء في رأسهم لبعض من أساتذة انجلو )

كنت في كل مرة أعود للمنزل ، أمر على مقبرة بورنموث الشهيرة فتذكرني ببرنامج
 ( خواطر ) الإعلامي المشهور في رمضان ، حيث كان للأستاذ أحمد الشقيري إحدى اللقطات الطريفة فيها  ....





                                   مقبرة بورنموث والطابع الديني الذي يكتسيها


أما عن شارع العرب في بورنموث الذي يسبق مكان إقامتي بكيلومترات بسيطة، وأنا أطلقت عليه ( شارع العرب الغربيين ) الذي يعتبر مرتعا لفساد بعضهم للأسف، وإن كنت لا أريد نبذ هذا الشارع وهدية انجلترا الخاصة، ولكن فيه من الإيجابيات الجمه التي نفعتني كعربية مسلمة في هذا المكان، حيث تستطيع فيه ارتياد المحلات العربية والمسلمة وارتياحك للتجار العاملين فيها ....




                                           شارع العرب في بورنموث


أرياف بورنموث وأحياؤها السكنية يمنع فيها دخول الحافلات والشاحنات، فقط السيارات العائلية الخاصة، وهذا ما كسب المناطق السكنية هدوءا لافتا فيها ....!!
كنت فقط أسمع دعابات الأطفال في الريف قبيل المغرب من على شرفة غرفتي حينها ..





                                            جمال الأحياء في بورنموث





                                            إحدى واجهات مقر إقامتي


شكرا للهدوء الساحر الذي قطنته برهة من الزمن، شكرا أيها الهدوء الساحر الذي يخبئ في داخله صراعات مباغتة في الديانات فأكسبني مسؤولية الرد بالحجة والبرهان عن ديني، شكرا للهدوء الساحر الذي علمني أن مقعد الدراسة لا يستحقه أي مغترب إلا المخلص منهم، شكرا لشارع العرب الذي أخبرني بأن بعد الغروب اسدلي ستار الليل ، لأن الظلام هناك أشبه بالشبهة التراجيدية، شكرا لمنطاد بورنموث الذي أمهلني في اللحظات الأخيرة هناك التقاط عدسة جوية للهدوء الساحر ،
شكرا ( لأبي مازن ) الذي امتطى أمتعته معي ليعلمني مغامرة الاغتراب !!





                                       صورة جوية التقطها  من المنطاد في آخر يوم لي بمدينة بورنموث 






                                                          منطاد بورنموث التنزهي





                                                    أشهر منتزهات بورنموث في مركز المدينة